فصل: فصل في اختلاف العلماء في كيفيّة إنجاء بني إسرائيل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر} عطف على ما قبل، والفرق الفصل بين الشيئين، وتعديته إلى البحر بتضمين معنى الشق، أي فلقناه وفصلنا بين بعضه وبعض لأجلكم، وبسبب إنجائكم.
والباء للسببية الباعثة بمنزلة اللام إذا قلنا بتعليل أفعاله تعالى وللسببية الشبيهة بها في الترتيب على الفعل، وكونه مقصودًا منه إن لم نقل به وإنما قال سبحانه: {بِكُمْ} دون لكم، لأن العرب على ما نقله الدامغاني تقول: غضبت لزيد إذا غضبت من أجله وهو حي وغضبت بزيد إذا غضبت من أجله وهو ميت ففيه تلويح إلى أن الفرق كان من أجل أسلاف المخاطبين، ويحتمل أن تكون للاستعانة على معنى بسلوككم ويكون هناك استعارة تبعية بأن يشبه سلوكهم بالآلة في كونه واسطة في حصول الفرق من الله تعالى، ويستعمل الباء.
وقول الإمام الرازي قدس سره: إنهم كانوا يسلكون، ويتفرق الماء عند سلوكهم، فكأنه فرق بهم يرد عليه أن تفرق الماء كان سابقًا على سلوكهم على ما تدل عليه القصة، وقوله تعالى: {أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} [الشعراء: 36] وما قيل: إن الآلة هي العصا كما تفهمه الآية غير مسلم.
والمفهوم كونها آلة الضرب لا الفرق ولو سلم يجوز كون المجموع آلة، على أن آلية السلوك على التجوز، وقد يقال: إن الباء للملابسة، والجار والمجرور ظرف مستقر واقع موقع الحال من الفاعل، وملابسته تعالى معهم حين الفرق ملابسة عقلية، وهو كونه ناصرًا وحافظًا لهم، وهي ما أشار إليه موسى عليه السلام بقوله تعالى: {كَلاَّ إِنَّ مَعِىَ رَبّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 2 6] ومن الناس من جعله حالًا من البحر مقدمًا وليس بشيء لأن الفرق مقدم على ملابستهم البحر اللهم إلا على التوسع، واختلفوا في هذا البحر فقيل: القلزم وكان بين طرفيه أربعة فراسخ وقيل: النيل، والعرب تسمي الماء الملح والعذب بحرًا إذا كثر، ومنه: {مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ} [الرحمن: 9 1] وأصله السعة، وقيل: الشق، ومن الأول: البحرة البلدة، ومن الثاني: البحيرة التي شقت أذنها، وفي كيفية الانفلاق قولان: فالمشهور كونه خطيًا، وفي بعض الآثار ما يقتضي كونه قوسيًا، إذ فيه أن الخروج من الجانب الذي دخلوا منه، واحتمال الرجوع في طريق الدخول يكاد يكون باطلًا لأن الأعداء في أثرهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ما يتعلق بهذا المبحث.
{فأنجيناكم وَأَغْرَقْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ} في الكلام حذف يدل عليه المعنى والتقدير: وإذا فرقنا بكم البحر وتبعكم فرعون وجنوده في تقحمه فأنجيناكم أي من الغرق، أو من إدراك فرعون وآله لكم، أو مما تكرهون، وكنى سبحانه بآل فرعون عن فرعون وآله كما يقال: بني هاشم؛ وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَم} [الإسراء: 0 7] يعني هذا الجنس الشامل لآدم، أو اقتصر على ذكر الآل لأنهم إذا عذبوا بالإغراق كان مبدأ العناد ورأس الضلال أولى بذلك، وقد ذكر تعالى غرق فرعون في آيات أخر من كتابه كقوله سبحانه: {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} [الإسراء: 103] {فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم في اليم} [القصص: 0 4] وحمل الآل على الشخص حيث إنه ثبت لغة كما في الصحاح ركيك غير مناسب للمقام، وإنما المناسب له التعميم، وناسب نجاتهم بإلقائهم في البحر وخروجهم منه سالمين نجاة نبيهم موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام من الذبح بإلقائه وهو طفل في البحر وخروجه منه سالمًا، ولكل أمة نصيب من نبيها وناسب هلاك فرعون وقومه بالغرق هلاك بني إسرائيل على أيديهم بالذبح لأن الذبح فيه تعجيل الموت بإنهار الدم، والغرق فيه فيه إبطاء الموت ولا دم خارج وكان ما به الحياة وهو الماء كما يشير إليه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شيء حَىّ} [الأنبياء: 0 3] سببًا لإعدامهم من الوجود، وفيه إشارة إلى تقنيطهم وانعكاس آمالهم كما قيل:
إلى الماء يسعى من يغص بلقمة ** إلى أين يسعى من يغص بماء

ولما كان الغرق من أعسر الموتات وأعظمها شدة ولهذا كان الغريق المسلم شهيدًا جعله الله تعالى نكالًا لمن ادعى الربوبية وقال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} [النازعلات: 4 2] وعلى قدر الذنب يكون العقاب.
ويناسب دعوى الربوبية والاعتلاء انحطاط المدعي وتغييبه في قعر الماء، ولك أن تقول لما افتخر فرعون بالماء كما يشير إليه قوله تعالى حكاية عنه: {أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِى مِن تَحْتِى} [الزخرف: 1 5] جعل الله تعالى هلاكه بالماء، وللتابع حظ وافر من المتبوع وكان ذلك الغرق والإنجاء، والإغراق يوم عاشوراء والكلام فيه مشهور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ} الآية.
هذا زيادة في التفصيل بذكر نعمة أخرى عظيمة خارقة للعادة، بها كان تمام الإنجاء من آل فرعون، وفيها بيان مقدار إكرام الله تعالى لهم ومعجزة لموسى عليه السلام وتعدية فعل {فرقنا} إلى ضمير المخاطبين بواسطة الحرف جار على نحو تعدية فعل {نجيناكم} [البقرة: 49] إلى ضميرهم كما تقدم.
وفَرَق وفرَّق بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد إذ التشديد يفيده تعدية ومعناه الفصل بين أجزاء شيء متصل الأجزاء، غير أن فرق يدل على شدة التفرقة وذلك إذا كانت الأجزاء المفرقة أشد اتصالًا، وقد قيل إن فرّق للأجسام وفرق للمعاني نقله القرافي عن بعض مشايخه وهو غير تام كما تقدم في المقدمة الأولى من مقدمات هذا التفسير بدليل هذه الآية، فالوجه أن فَرَّقَ بالتشديد لما فيه علاج ومحاولة وأن المخفف والمشدد كليهما حقيقة في فصل الأجسام وأما في فصل المعاني الملتبسة فمجاز.
وقد اتفقت القراءات المتواترة العشر على قراءة: {فرقنا} بالتخفيف والتخفيف منظور فيه إلى عظيم قدرة الله تعالى فكان ذلك الفرق الشديد خفيفًا.
وتصغر في عين العظيم العظائم

وأل في {البحر} للعهد وهو البحر الذي عهدوه أعني بحر القلزم المسمى اليوم بالبحر الأحمر وسمته التوراة بحر سوف.
والباء في {بكم} إما للملابسة كما في طارت به العنقاء وعدا به الفرس، أي كان فرق البحر ملابسًا لكم والمراد من الملابسة أنه يفرق وهم يدخلونه فكان الفرق حاصلًا بجانبهم.
وجوز صاحب الكشاف كون الباء للسببية أي بسببكم يعني لأجلكم.
والخطاب هنا كالخطاب في قوله: {وإذ نجيناكم من آل فرعون} [البقرة: 49].
وقوله: {فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون} هو محل المنة وذكر النعمة وهو نجاتهم من الهلاك وهلاك عدوهم، قال الفرزدق:
كيف تراني قَاليا مجنى ** قد قتل الله زيادًا عني

فكون قوله: {وإذ فرقنا بكم البحر} تمهيدًا للمنة لأنه سبب الأمرين النجاة والهلاك وهو مع ذلك معجزة لموسى عليه السلام.
وقد أشارت الآية إلى ما حدث لبني إسرائيل بعد خروجهم من مصر من لحاق جند فرعون بهم لمنعهم من مغادرة البلاد المصرية وذلك أنهم لما خرجوا ليلًا إما بإذن من فرعون كما تقول التوراة في بعض المواضع، وإما خفية كما عبرت عنه التوراة بالهروب، حصل لفرعون ندم على إطلاقهم أو أغراه بعض أعوانه بصدهم عن الخروج لما في خروجهم من إضاعة الأعمال التي كانوا يسخرون فيها أو لأنه لما رآهم سلكوا غير الطريق المألوف لاجتياز مصر إلى الشام ظنهم يرومون الانتشار في بعض جهات مملكته المصرية فخشى شرهم إن هم بعدوا عن مركز ملكه ومجتمع قوته وجنده.
إن بني إسرائيل ما خرجوا من جهات حاضرة مصر وهي يومئذ مدينة منفيس لم يسلكوا الطريق المألوف لبلاد الشام إذ تركوا أن يسلكوا طريق شاطئ بحر الروم المتوسط فيدخلوا برية سينا من غير أن يخترقوا البحر ولا يقطعوا أكثر من اثنتي عشرة مرحلة أعني مائتين وخمسين ميلًا وسلكوا طريقًا جنوبية شرقية حول أعلى البحر الأحمر لئلا يسلكوا الطريق المألوفة الآهلة بقوافل المصريين وجيوش الفراعنة فيصدوهم عن الاسترسال في سيرهم أو يُلحق بهم فرعون من يردهم لأن موسى علم بوحي كما قال تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنك متبعون} [الشعراء: 52] إن فرعون لا يلبث أن يصدهم عن المضي في سيرهم فلذلك سلك بهم بالأمر الإلهي طريقًا غير مطروقة فكانوا مضطرين للوقوف أمام البحر في موضع يقال له فم الحيروث فهنالك ظهرت المعجزة إذ فلق الله لهم البحر بباهر قدرته فأمر موسى أن يضربه بعَصاه فانفلق وصار فيه طريق يبس مرت عليه بنو إسرائيل وكان جند فرعون قد لحق بهم ورام اقتحام البحر وراءهم فانطبق البحر عليهم فغرقوا.
وقوله: {وأغرقنا آل فرعون} أي جنده وأنصاره.
ولم يذكر في هاته الآية غرق فرعون لأن محل المنة هو إهلاك الذين كانوا المباشرين لتسخير بني إسرائيل وتعذيبهم والذين هم قوة فرعون وقد ذكر غرق فرعون في آيات أخرى نتكلم عليها في موضعها إن شاء الله، وكان ذلك في زمن الملك منفتاح ويقال له منفطة أو مينيتاه من فراعنة العائلة التاسعة عشرة في ترتيب فراعنة مصر عند المؤرخين. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن هذه الواقعة تضمنت نعمًا كثيرة في الدين والدنيا، أما نعم الدنيا في حق موسى عليه السلام فهي من وجوه:
أحدها: أنهم لما وقعوا في ذلك المضيق الذي من ورائهم فرعون وجنوده وقدامهم البحر، فإن توقفوا أدركهم العدو وأهلكهم بأشد العذاب وإن ساروا غرقوا فلا خوف أعظم من ذلك، ثم إن الله نجاهم بفلق البحر فلا فرج أشد من ذلك.
وثانيها: أن الله تعالى خصهم بهذه النعمة العظيمة والمعجزة الباهرة، وذلك سبب لظهور كرامتهم على الله تعالى.
وثالثها: أنهم شاهدوا أن الله تعالى أهلك أعداءهم ومعلوم أن الخلاص من مثل هذا البلاء من أعظم النعم، فكيف إذا حصل معه ذلك الإكرام العظيم وإهلاك العدو.
ورابعها: أن أورثهم أرضهم وديارهم ونعمهم وأموالهم.
وخامسها: أنه تعالى لما أغرق آل فرعون فقد خلص بني إسرائيل منهم، وذلك نعمة عظيمة لأنه كان خائفًا منهم، ولو أنه تعالى خلص موسى وقومه من تلك الورطة وما أهلك فرعون وقومه لكان الخوف باقيًا من حيث إنه ربما اجتمعوا واحتالوا بحيلة وقصدوا إيذاء موسى عليه السلام وقومه، ولكن الله تعالى لما أغرقهم فقد حسم مادة الخوف بالكلية.
وسادسها: أنه وقع ذلك الإغراق بمحضر من بني إسرائيل وهو المراد من قوله تعالى: {وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ}.
وأما نعم الدين في حق موسى عليه السلام فمن وجوه:
أحدها: أن قوم موسى لما شاهدوا تلك المعجزة الباهرة زالت عن قلوبهم الشكوك والشبهات، فإن دلالة مثل هذا المعجز على وجود الصانع الحكيم وعلى صدق موسى عليه السلام تقرب من العلم الضروري، فكأنه تعالى رفع عنهم تحمل النظر الدقيق والاستدلال الشاق.
وثانيها: أنهم لما عاينوا ذلك صار داعيًا لهم إلى الثبات على تصديق موسى والانقياد له وصار ذلك داعيًا لقوم فرعون إلى ترك تكذيب موسى عليه السلام والإقدام على تكذيب فرعون.
وثالثها: أنهم عرفوا أن الأمور بيد الله فإنه لا عز في الدنيا أكمل مما كان لفرعون ولا شدة أشد مما كانت ببني إسرائيل، ثم إن الله تعالى في لحظة واحدة جعل العزيز ذليلًا والذليل عزيزًا، وذلك يوجب انقطاع القلب عن علائق الدنيا والإقبال بالكلية على خدمة الخالق والتوكل عليه في كل الأمور، وأما النعم الحاصلة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من ذكر هذه القصة فكثيرة، أحدها: أنه كالحجة لمحمد صلى الله عليه وسلم على أهل الكتاب لأنه كان معلومًا من حال محمد عليه الصلاة والسلام أنه كان أميًا لم يقرأ ولم يكتب ولم يخالط أهل الكتاب فإذا أورد عليهم من أخبارهم المفصلة ما لا يعلم إلا من الكتب علموا أنه أخبر عن الوحي وأنه صادق، فصار ذلك حجة له عليه السلام على اليهود وحجة لنا في تصديقه.
وثانيها: أنا إذا تصورنا ما جرى لهم وعليهم من هذه الأمور العظيمة علمنا أن من خالف الله شقي في الدنيا والآخرة ومن أطاعه فقد سعد في الدنيا والآخرة، فصار ذلك مرغبًا لنا في الطاعة ومنفرًا عن المعصية.
وثالثها: أن أمة موسى عليه السلام مع أنهم خصوا بهذه المعجزات الظاهرة والبراهين الباهرة، فقد خالفوا موسى عليه السلام في أمور حتى قالوا: {اجعل لَّنَا إلها كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ} [الأعراف: 138] وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمع أن معجزتهم هي القرآن الذي لا يعرف كونه معجزًا إلا بالدلائل الدقيقة انقادوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وما خالفوه في أمر ألبتة، وهذا يدل على أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من أمة موسى عليه السلام. اهـ.

.فصل في اختلاف العلماء في كيفيّة إنجاء بني إسرائيل:

قال القرطبي:
ذكر الطبري أن موسى عليه السلام أُوحِيَ إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحليّ والمتاع من القبط، وأحلّ الله ذلك لبني إسرائيل؛ فسرى بهم موسى من أول الليل؛ فأعلم فرعون فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الدِّيكَة، فلم يصِح تلك الليلة بمصر ديك؛ وأمات الله تلك الليلة كثيرًا من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين؛ كما قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} [الشعراء: 60].
وذهب موسى إلى ناحية البحر حتى بلغه.
وكانت عِدّة بني إسرائيل نَيِّفًا على ستمائة ألف.
وكانت عِدّة فرعون ألف ألف ومائتي ألف.
وقيل: إن فرعون اتّبعه في ألف ألف حصان سوى الإناث.
وقيل: دخل إسرائيل وهو يعقوب عليه السلام مصر في ستة وسبعين نفسًا من ولده وولد ولده؛ فأنمى الله عددهم وبارك في ذرّيته؛ حتى خرجوا إلى البحر يوم فرعون وهم ستمائة ألف من المقاتلة سوى الشيوخ والذرية والنساء.
وذكر أبو بكر عبد اللَّه بن محمد بن أبي شيبة قال حدّثنا شَبَابة بن سَوّار عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد اللَّه بن مسعود أن موسى عليه السلام حين أسري ببني إسرائيل بلغ فرعون فأمر بشاة فذبحت، ثم قال: لا والله لا يفرغ من سلخها حتى تجتمع لي ستمائة ألف من القبط؛ قال: فانطلق موسى حتى انتهى إلى البحر؛ فقال له: افرق؛ فقال له البحر: لقد استكبرت يا موسى! وهل فَرْقت لأحد من ولد آدم فأفرق لك! قال: ومع موسى رجل على حصان له؛ قال: فقال له ذلك الرجل: أين أُمرتَ يا نبيّ الله؟ قال: ما أُمِرْتُ إلا بهذا الوجه؛ قال: فأقحم فرسه فسبح فخرج.
فقال أين أُمرتَ يا نبي الله؟ قال: ما أمِرتُ إلا بهذا الوجه؛ قال: والله مَا كَذَبْتَ ولا كُذِّبْتَ؛ ثم اقتحم الثانية فسَبَح به حتى خرج؛ فقال: أين أُمرت يا نبيّ الله؟ فقال: ما أمرتُ إلا بهذا الوجه؛ قال: والله ما كَذَبْتَ ولا كُذِّبْتَ؛ قال فأوحى الله إليه: {أن اضرب بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الأعراف: 160] فضربه موسى بعصاه؛ {فانفلق فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم} [الشعراء: 63].
فكان فيه اثنا عشر فِرقًا، لاثني عشر سِبْطا، لكل سبط طريق يتراءون؛ وذلك أن أطواد الماء صارفيها طيقانًا وشبابيك يرى منها بعضهم بعضًا؛ فلما خرج أصحاب موسى وقام أصحاب فرعون التطم البحر عليهم فأغرقهم.
ويذكر أن البحر هو بحر القُلْزم، وأن الرجل الذي كان مع موسى على الفرس هو فتاه يوشع بن نون.
وأن الله تعالى أوحى إلى البحر أن انفرق لموسى إذا ضربك؛ فبات البحر تلك الليلة يضطرب؛ فحين أصبح ضرب البحر وكنّاه أبا خالد.
ذكره ابن أبي شيبة أيضًا.
وقد أكثر المفسرون في قصص هذا المعنى؛ وما ذكرناه كافٍ، وسيأتي في سورة يونس، والشعراء زيادة بيان إن شاء الله تعالى. اهـ.